1- الأشرار في نظر الرُّواة والـمُنتِجين

تقول الرِّوائيّة (تس كولينز): "إن الإشكال الذي نواجهه هو أن الشخصية الشريرة ذات البُعد الواحد غير مشوِّقة للقراءة والاهتمام، فإذا كنتَ تخشى كتابة قصة تقليدية؛ فما عليك إلا أن تتخيّل القصة من وجهة نظر الشرير "، ويقول الدكتور (كيث جونستون): "إن هناك تحوُّلًا حدث في الدراما في العِقْد الأخير نحو إعادة تشكيل الشخصية الشريرة في قوالب نفسية أشد تركيبًا "، كما أن الممثِّل يحاول أن يكون بارعًا قدر الإمكان في أداء دور الشرير حتى لا تخْفُتْ عنه الأضواء ويحافظ على مصدر دَخْلِه، كل هذه العوامل أرى أنها تجعل العمل الفنّي أكثر نجاحًا وواقعية واحترمًا لعقل القارئ أو المشاهِد، ولكن ذلك لا يُلزِم بالضرورة حبّ الشرير والتعاطف معه لدرجة إقراره على أفعاله، فيصير المعروف منكَرًا ويصير المنكَر معروفًا.

ولعل المثال الأكثر وضوحًا على ذلك هو (Wreck it Ralph) إنتاج شركة ديزني عام 2012 ؛ حيث جاء في سيناريو الفيلم في اجتماع الأشرار: "حسنًا يا رالف، نحن نتفهّم ذلك، ولكن لا يمكننا تغيير من نحن، وكلّما أسرعت في تقَبُّل هذا كانت حياتك أفضل "، وجاء فيه أيضًا: "يجب أن تحب نفسك كما هي "، وفي ختام الجلسة قال الجميع: "أنا شرير، وهذا جيّد، أنا لن أكون طيّبًا أبدًا، وهذا ليس سيّئًا، لا أرغب أن أكون أحدًا غيري "، تواكَبَ ذلك مع حالة السيولة التي تعيشها أوروبا اليوم تحت ظل "ما بعد الحداثة " وعدم ثبوت أي شيء من القِيَم حيث يقول الكاتب (جراهام جونستون): "نحن اليوم أمام ظاهرة عكسيَّة؛ حيث صار أبطال الحداثة هم أشرار ما بعد الحداثة، وأشرار الحداثة صاروا هم أبطال ما بعد الحداثة ".

زادت مؤخّرًا تلك الفكرة في كثير من الأفلام، منها (Suicide Squad) الذي يقوم ببطولته مجموعة من الأشرار المسجونين للاستعانة بهم في حفظ الأمن القومي الأمريكي. قد تكون رسالة هذا الفيلم أنه مهما بلغ بك الشرّ فلن تكون مثل هذه الفرقة الانتحارية التي يمكن أن تقوم ببعض الخير، لكن هذا لا يستقيم مع سياق الأحداث والترويج لهذه الشخصيات بِسَرد الخلفيات التاريخية والمواقف الإنسانية التي مرّوا بها، مع إضفاء روح الـمَرَح والفكاهة على أقوالهم وأفعالهم، والاعتماد على خطة تسويقيّة ناجحة أدَّتْ في النهاية إلى إيرادات تُقدَّر بـِِ 745 مليون دولار.

هناك أيضًا فيلم (Deadpool) الذي جاء فيه على لسان البطل: "أنا لست بطلًا، ولن أكون، أنا مجرّد رجل سيء يتلقي أجرًا لضرب رجل أسْوَأ "، ثم يدور سياق الفيلم حول انتقام البطل ممن تسببوا فيما حدث له، ومحاولات إقناعه بأن الـ(سوبرهيروز) يَتَحَلّون بالأخلاق الطيّبة ولا يَقْتلون، فيظهر البطل مُسْتَخِفًّا بهذه النصيحة والأسلوب الطّفولي ويستكمل القتل، وفي خلال الفيلم يتسرَّب إليكَ حالة من التعاطف مع البطل القاتل وعشيقته الفاجرة، بل وتسخر من النصائح المثالية الساذجة، إضافة إلى مشاهد جنسية واضحة، حتى وصلت مبيعات الفيلم إلى 135 مليون دولار في أول 3 أيام فقط، ووصلت عالميًّا إلى 783 مليون دولار، وجاءت آراء كثير من المشاهِدين أن (ديدبول) هو الـ(سوبرهيرو) المفضَّل لديهم.

2- لماذا صِرْنا مُولَعِين بحبّ الأشرار؟

هل كنت تظنّ يومًا أن تجد من يكتب نَعْيًا ويُظهر الحزن والبكاء بعد مقتل (رفاعي الدسوقي) تاجر السلاح في مسلسل (الأسطورة)؟ أو أن تتعاطف مع (مهند) الذي يخون عمَّه في مسلسل (العشق الممنوع)؟

خطأ الإسناد الأساسي: نظرية نفسية شهيرة تفيد بأننا نُسْنِد وننسب تصرفات وأفعال الأشخاص إلى طباعهم وصفاتهم الشخصية، وليس إلى الموقف الذي تظهر فيه هذه الصفات الـمُحْتمِلة لعدّة تأويلات؛ فإذا رأينا على سبيل المثال شخصًا يطلق النار؛ فسوف نسند هذا الفعل فورًا إلى كونه شخص شرير، في حين لو كنَّا نحن من أطلق النار لَسَوَّغْنا ذلك بأنه دفاع عن النفس أو ما شابه، فهذا معناه أننا نسند أفعال الأغراب لصفاتهم، ونسند أفعالنا أو أفعال من نحبهم لما يتطلّبه الموقف، وهذا يحدث عادة إذا كان السلوك سيّئًا.

وهذا ما يحدث عادة في ظروف الحياة الطبيعية، إلا أن ما يحدث فعليًا في الروايات والأفلام هو أنها تقدِّم للقارئ والمشاهِد معلومات وتفاصيل عن حياة الأشخاص تؤدّي إلى تكوين صورة معينة لخدمة مسار محدّد؛ لذلك يسهل على القارئ أو المشاهد إبداء التعاطف وتلمُّس الأعذار للشخص الشرير، وغضّ الطَّرْف عن أفعاله القبيحة وتسويغها وفْقًا لما يؤدِّي به السياق؛ فكيف لا تتعاطف مع البطل وقد رأيته يعطف على فقير أو يرعى مريضًا، أو رأيته وهو يصلِّي.

أيضًا من الأنماط الفكرية التي لها تأثير في مُحاباة الأشرار تحميل ضحايا جريمة أو حادث معين، المسئوليَّة الكلّيّة أو الجزئية عن الحادث الذي وقع بهم في حياتهم؛ فحينما يصعب على البعض مواجهة المواقف الصعبة التي تقع أمامه، أو التي يسمع عنها (كحادث اغتصاب مثلا)، فإنه يستسهل لَوْم الضحية واستحضار كل الأسباب التي أدّت إلى وقوع الظلم عليها، وذلك في مقابل تجاهل دور المعتدِي ، فضلًا عن التسويغ له، مما يريح ضميره ويُجَنّبه إزعاج منظومة المبادئ التي يتبعها؛ فينتهي به الحال إلى المساواة بين الجاني والمجني عليه، ثم الانضمام قلبًا وقالبًا إلى جانب الشرير، ولأن التسويغ أسهل من تغيير القناعات فنجد الشخص صاحب الإشكال يسوِّغ للشرير أفعاله من أجل إسكات ضميره.

التنافر المعرفي: حالة عدم الراحة النفسية التي تنتاب الإنسان عندما تتزاحم في عقله فكرتان متناقضتان؛ حيث تتولد لديه رغبة قوية في تقليل هذا التنافر الموجود بين الفكرتين من أجل الابتعاد عن الضِّيق والتوتر والضغط النفسي، فَيَنجذِب ويميل إلى الأشياء التي تؤيّد معتقداته وقناعاته الشخصية، بل إنه يبحث عن هذه الأشياء في محيطه ويذهب إليها، وليس هذا فحسب؛ بل إنه يقوم في نفس الوقت بِتَجاهُل الأشياء التي تخالف معتقداته وأفكاره، وأبرز مثال على ذلك هو ما نراه يوميًّا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي نظرية "الجانب المُظْلم"؛ أن لكل شخص جانبًا مظلمًا يرفض عقله الواعي الاعتراف به، يرفض هذا الجانب التَّقَيُّد بالقانون والشرع والعادات، ولكن العقل الواعي يتجاهل هذا الجانب حفاظًا على وَهْم المثالية وخوفًا من عقاب القانون، وأبرز تجسيد لتلك النظرية هي شخصية (الجوكر) في فيلم (The Dark Knight).

3- السلوكيات المؤدّية لحبّ الأشرار

4- كيف تهيَّأ العقل الغربي لِمُحاباة الأشرار؟

5- الفن وأهميته في صناعة الثقافة الشعبية

6- وسائل الإعلام وتغيير المعتقدات الراسخة

7- المصالح المتبادلة بين تُجَّار الإعلام وصنّاع القرار

8- الأبطال الخارقون (Super Heroes) ودورهم في صناعة الوَعْي

9- النتيجة